خصائص شعر ما قبل الإسلام
1) تتميز قصائد الشعر العربي قبل الإسلام باشتمالها على أكثر من موضوع واحد ، وذلك أن الشاعر يضمن قصيدته مجموعة من تجارب مجزأة إلى مراحل، وموضوعات تربطها علاقة شعورية واحدة. وقد درج الشعراء في ذلك العصر على افتتاح قصائدهم الطوال بالغزل، وذكر الأطلال، والديار الخالية، ثم ينتقل إلى وصف رحلته في الصحراء رابطاً ذلك بوصف ناقته، أو فرسه مشبها إياها بأحد الحيوانات الأخرى، ثم يصل أخيراً إلى الغرض الأساسي من القصيدة مديحا كان، أم حماسة، أم فخراً، أم هجاء، أم رثاء، وهناك قصائد قليلة لم يبدأها أصحابها بالوقوف على الأطلال مثلما فعلت الخنساء في رثاء أخيها صخر كما سبق أن بينا حيث بدأت قصيدتها بقولها:
قذى بعينك أم بالعين عوار
أمْ ذَرَّفَتْ إِذْخَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا الدَّارُ
وكثيراً ما تنتهي القصيدة بأبيات في الحكمة، يعبر الشاعر فيها عن تجاربه في الحياة كما فعل زهير بن أبي سلمى في مثل قوله:
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنَايَا يَنَلْنَهُ.
وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بسلّم.
وَمَنْ لَم يَذُدْ عَن حَوْضِهِ بِسِلَاحِهِ وَمَنْ لَمْ يُصَانِعَ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ.
يُهدم وَمَنْ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ يُظلم.
يُضَرَّس بأنياب ويُوطًا بِمَنْمِ.
(2) إنَّ الشعر في ذلك العصر يصوّر البيئة أصدق تصوير ، ببساطة تلائم الفطرة، وتنسجم وطبيعة المجتمع البدوي، فالشعراء ينقلون المشاهد نقلاً يكاد يكون أميناً، وخاصة حين يذكرون المواضع، ويناجون الديار، وحين يفخرون، أو يرثون، فلا يبالغون في الخيال، ولا يسرفون في التصوير؛ وذلك لأنهم يتحدثون عن أحوال رأوها، وتجارب مارسوها، وذكريات أحسوا بها.
3 ) إنَّ معاني الشُّعراء تميزت بالإيجاز الذي اقتضته طبيعة الحياة البدوية حيث التنقل السريع والحركة الدائبة غير المستقرة، فمناخ الصحراء القاسي شديد الحرارة والبرودة جعلهم لا يطيلون ولا يتأملون، يقفون عند المعنى وقفة وسرعان ما يتركونه إلى غيره.
4 ) كثيراً ما تشترك المعاني بين الشعراء؛ وذلك لأنهم يصورون ما تقع عليه حواسهم من مشاهد، فينقلونها في قصائدهم بكل دقة، لذلك نجد ما يقوله الشاعر منهم في وصف الفرس، أو الناقة عند عشرات منهم، وكذلك الشأن في وصف الأطلال، وديار المحبوبة.
المعنى الإجمالي:
يتحدث قس بن ساعدة في هذه الخطبة إلى رواد عكاظ، ويدعوهم إلى التدبر في شأن هذه الدنيا الفانية التي يعيش فيها الإنسان، وهو لا بد صائر إلى الموت ليخلفه غيره، وإن هذا الكون يسير وفق إرادة مدبرة، ولا دخل للإنسان فيه، فما هو كائن لا بد أن يكون شاء هذا الإنسان، أم أبي، وليس أدل على ذلك من هذا النظام المحكم الذي عليه هذا الكون مطر يكون بعده نبات، وآباء وأمهات يخلفون الأبناء، وأشياء كثيرة تتعاقب، يخلف بعضها بعضاً، ونجوم تتحرك في السماء وبحار لا تنضب، وسقف مرفوع، وليل مظلم، ونهار ساكن، كل هذه تدل على وجود مسير لهذا الكون. ولم يكتف قس بن ساعدة بهذه الأدلة لإقناع مستمعيه بأنهم ليسوا خالدين في هذه الدنيا، بل يوجه إليهم عدداً من الأسئلة التي يريد بها إثارة انتباه سامعيه للتدبر والتفكير، وهي على وجازتها تجعل الإنسان يعود إلى نفسه فيقف على مكامن الشر فيها، فيجنبها المصير الذي حل بأقوام، مثل: عاد وثمود، الذين ظلموا العباد وطغوا في البلاد، فأهلكهم الله ثم يقسم بأن الله خالق الكون ومدير أمره، قد ارتضى لعباده دينا غير عبادة الأصنام والأوثان. وتناول في أبياته قضية الموت مؤكداً حقيقته التي لا تقبل الشك، فالناس جميعهم سيردون حياضه، ثم لا يصدرون عنها، وكل حي صائر إلى زوال.
الخصائص الفنية:
إن أول ما يستدعي الانتباه في هذه الخطبة طريقة العرض التي عرضها بها قس، محاولاً أن يقنع سامعيه بالتدبر في الموت والحياة، وأن يُبين ن يبين لهم أن هذا الكون يسير بقدرة قادر، نجده يسوق أدلة غاية في البراعة. فقد بدأ بمشاهد الطبيعة التي تقع تحت إدراك الحواس، واتخذ من الموت عبرة وعظة تدعو إلى التأمل والتدبر، فذكره في ثلاثة مواضع في الخطبة، ونجد توافق فواصل الجمل في ليل داج ونهار ساج وسماء ذات أبراج، حيث يتحد الحرف الأخير في الجمل، ويلجأ إلى القسم، ويؤكد القسم بالمفعول المطلق، ثم يصفه بالقسم الصادق، وقد اعتمد في ذلك على ألفاظ منتقاة بعد بها عن وحشي الكلام جاءت في عبارات قصيرة محكمة ومسجوعة دون تكلف أو تصنع أما الشعر فيجمع بين الجزالة ورقة التعبير، وقوة التأثير لما يتصف به من صدق العاطفة وبراعة التأليف.